على مدار العقد الماضي، كرّست مؤسسة الملكة رانيا جهودها لتحسين مخرجات تعليم المهارات القرائية، في العالم العربي عامة، وفي الأردن على وجه الخصوص، وذلك عن طريق تحديد الفجوات في العملية التعليمية، والعمل على سدّها بتطوير ونشر أساليب التدريس القائمة على الأدلة. وإذ تعتمد مؤسسة الملكة رانيا نهج " المهارات القرائية أوّلًا" لتحسين المهارات القرائية المبكّرة، فقد عقدت شراكة مع مؤسسة Education Endowment Foundation في المملكة المتحدة لترجمة وتكييف مجموعة الأدوات أو النهج التربوية المعروفة باسم مجموعة أدوات التعليم والتعلّم.
لقد خضعت النسخة التي نشرتها المؤسسة من مجموعة أدوات التعليم والتعلّم عام 2021 إلى تحديث شامل عام 2023، فدمجت المؤسسة الأدوات المتشابهة لتقديم فهم أشمل، وتوسّعت في تقديم بعض الأدوات. وعام 2022، نشرت المؤسسة دليلًا إرشادي لإحدى الأدوات عالية التأثير، ألا وهي "إشراك أولياء الأمور"، وقد زوّد هذا الدليل موظفي ومديري المدارس والمعلمين بمجموعةٍ من الأدوات والموارد العملية لإشراك أولياء الأمور في تعليم أطفالهم على نحو أفضل.
واليوم، تعمل مؤسسة الملكة رانيا على إعداد دليل إرشادي لأداة أخرى عالية التأثير، وهي "التغذية الراجعة"؛ إذ تُعدّ التغذية الراجعة من أعلى الأدوات تأثيرًا، ويحرز الطلبة الذين يتلقون تغذية راجعة فاعلة تقدّمًا يزيد بستة أشهر في المتوسط على زملائهم الذين لا يتلقون تغذية راجعة فاعلة في العام ذاته. علاوةً على ذلك، تُعدّ التغذية الراجعة استراتيجيةً منخفضة التكلفة، وثمة العديد من الأدلة والبراهين الموثوقة التي تُثبت فاعليتها.
وعلى الرغم مما سبق، فليست جميع أشكال التغذية الراجعة فاعلة، ومن الممكن أن تقوّض عملية التعليم والتعلّم إذا لم تُقدّم بطريقة مناسبة، كأنْ تتناول السمات الشخصية للطلبة فقط، أو أن تكون سلبية دائمًا. غير أنّ كلا التغذيتين الإيجابية والسلبية ضروريتان لمساعدة الطلبة على الفهم. وبصورة عامة، يجب الالتزام ببعض المبادئ الأساسية لضمان مساهمة التغذية الراجعة في دفع عملية التعلّم إلى الأمام.
ومن ميّزات التغذية الراجعة التي تُسهم في دفع عملية التعلّم إلى الأمام التركيز على المهمة الحالية والموضوع والتنظيم الذاتي لتعلّم الطلبة، وفي الوقت ذاته، التخطيط لكيفية تلقّي الطلبة للتغذية الراجعة واستخدامها مستقبلًا. كما ينبغي للتغذية الراجعة المناسبة زمنيًا أن تأخذ بالاعتبار المهمة والطلبة والصف. إضافةً إلى ذلك، يمكن أن تأخذ التغذية الراجعة أشكالًا متعدّدة، ويمكن أنْ تأتي من مصادر عديدة – مكتوبة أو شفهية، من المعلم أو من الطالب – وفق ما يراه المعلمون مناسبًا، لا سيّما أنّ التغذية الراجعة المكتوبة التقليدية تستغرق وقتًا طويلًا. ومن ناحية أخرى، يلعب مديرو المدارس دورًا مهمًا في دعم المعلمين للمساعدة على ضمان فاعلية التغذية الراجعة المقدّمة إلى لطلبة.
يقدّم الدليل ست توصيات إرشادية لتقديم التغذية الراجعة. تستند هذه التوصيات إلى توصيات مؤسسة الوقف التعليمي، من أجل المساعدة على فهم ملامح التغذية الراجعة الفاعلة؛ حيث ترسي التوصيات الثلاثة الأولى الأساس للتغذية الراجعة الفاعلة، وتليها ثلاث توصيات أخرى مستندة إليها، وهي:
1. إرساء الأساس للتغذية الراجعة الفاعلة.
2. تقديم التغذية الراجعة في الوقت المناسب مع التركيز على دفع عملية التعلّم إلى الأمام.
3. التخطيط لكيفية تلقّي الطلبة للتغذية الراجعة واستخدامها.
4. التفكير جيدًا في كيفية استخدام التغذية الراجعة المكتوبة الهادفة والفعّالة من حيث الوقت.
5. التفكير جيدًا في كيفية استخدام التغذية الراجعة الشفهية الهادفة.
6. تصميم سياسة مدرسية للتغذية الراجعة تحرص على إعطاء الأولوية لمبادئ التغذية الراجعة الفاعلة وتجسيدها.
وعلى مستوى المدرسة، فإنّ أفضل طريقة يستطيع بها مديرو المدارس دعم المعلمين هي توفير التنمية المهنية والتدريب، بحيث يكتسب المعلمون الأسس التربوية الضرورية لتقديم التغذية الراجعة الناجحة التي يمكن بها سدّ فجوة التعلّم لدى الطلبة الأقل حظًا؛ فالتغذية الراجعة المقدمة باستخدام استراتيجيات واضحة وفاعلة تعزّز وتشجّع الطلبة على استخدام استراتيجيات ما وراء المعرفة في أثناء تعلّمهم، ما يزوّد الطلبة الأقل حظًا بالأدوات الضرورية لإدارة تعلّمهم بأنفسهم. وفي النهاية، فإنّ أهم ما يجب أن نتذكّره بشأن التغذية الراجعة ليس الوسيلة أو الوقت، بل علينا أنْ نُذكّر أنفسنا بأنّ التغذية الراجعة عملية مستمرة وليست إجراءً يقدّم لمرة واحدة فقط.
وأخيرًا، فإلى جانب دليل التغذية الراجعة وأدواته الذي من شأنه مساعدة المعلمين وأولياء الأمور ومديري المدارس وصانعي السياسات على العمل معًا لمواصلة تحسين المسار التعليمي في الأردن والعالم العربي، وسدّ الفجوات التعليمية في المهارات القرائية، وتوفير تعليم متكافئ الفرص للطلبة في شتّى أرجاء المنطقة، فإن المؤسسة تأمل أن تتوسّع في تقديم أداتيْن أخرييْن من الأدوات عالية التأثير منخفضة التكلفة ضمن مجموعة أدواتها التعليمية، وإعداد دليل لكلٍ منهما، وهما: استراتيجيات القراءة والاستيعاب، وما وراء المعرفة والتنظيم الذاتي.