لقد تم نشر هذا المقال سابقاً على موقع هارفرد بيزنس ريفيو العربية
نحن بحاجةٍ في منطقتنا العربية إلى إيجاد حلولٍ مبتكرة للتحديات الاجتماعية التي تستمرّ في الظهور. فعلى سبيل المثال، حتى قبل أزمة اللاجئين وظهور المدارس التي تعمل بنظام الفترتين، كانت وزارات التعليم في معظم أنحاء المنطقة تواجه صعوباتٍ في تحسين مستوى التعليم ومواكبته لمتطلبات العصر. ان مواجهة هذه المشكلة و اصلاحها من الركائز الأساسية لتحقيق الرخاء الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة؛ فان تضييق الفجوة بين المهارات التي يكتسبها الطلبة، وتلك التي يتطلّبها الاقتصاد المتغير ، يُعتبر من الخطواتِ اللازمةِ لإعادة الربط بين التحصيل العلمي والوظيفة الجيدة. كما أنه جزءٌ من أي استجابةٍ جديةٍ للثورة الصناعية الرابعة وتزايد مهام العمل التي تقوم بها الآلات والأنظمة والخوارزمية الذكية.
ولحُسن الحظ، يوجد العديد من الأمثلة الدولية التي توضح كيف يمكن للريادية الاجتماعية في مجال التعليم أن تقدّم الحلول الإبداعية التي نحتاجها. و تتعدد الأمثلة لتشمل تزويد المتعلمين بالمهارات الرقمية الحديثة (مثل Code.org و و Hello World Kidsو Raspberry P)واستخدام التقنيات الذكية لتعديل عملية التعلّم بحسب الاحتياجات الفردية للطلبة (مثل Byjus و M-Shule و Edraak و Cog Books) و بناء نماذج مدرسية جديدة تقدم شيئاً مختلفاً وفي الكثير من الأحيان أفضل من النماذج التقليدية (مثل مدارس Spark، ومدارس AltSchool و Avanti).
وعلى الرغم من أهمية مثل هذه المؤسسات و المساعي التي ترمي اليها، إلا أنه لا يوجد ما يكفي منها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – بالرغم من الحاجة الماسة لهذا النوع من الابتكار. وهذا يُفسَّر جزئياً من خلال بيئة أعمال تقدم القليل جداً لتشجيع مثل هذه الجهود في بداية المطاف،و بل حتى تقدم أقل من ذلك في مساندتهم لتنمية شركاتهم بعد انشائها .
نؤمن بأن هذا الواقع لا بد من أن يتغير
إستنادا الى تجربتنا المتواضعة في مؤسسة الملكة رانيا في تحفيز قطاعات مثل التعلّم الإلكتروني وتدريب المعلمين في المنطقة، فإننا ندرس السُبل التي يمكن من خلالها أن تلعب المؤسسة دورا فاعلا في بناء مقومات "بيئة الأعمال" المناسبة لدعم و رعاية المشاريع الريادية التعليمية.
ومن باب فتح أروقة الحوار (ونرغب في الاستماع إلى أفكاركم حول الجوانب التي نطبقها بشكلٍ صحيح، أو الجوانب التي أغفلنا عنها أو ببساطة أخطأنا فيها) فيما يلي خمسة محاور أساسية نعتقد أنها يجب التركيز عليها:
أولاً: توفير تمويل يتناسب مع كم التغيير الذي نحتاجه
ربط الكثير من الناس في الآونة الأخيرة ما بين تزايد الهاكثونات (Hackathons) و الابتكار. وبالرغم أن مثل هذه الفعاليات لها مكانها و ممكن أن أن تؤدي الغرض في العديد من الأحيان (لا سيما عندما يكون الهدف الوصول الى أسرع حل)، لكننا إذا أردنا أن نحقق قفزة نوعية لأكثر التحديات الاجتماعية صعوبةً، فإننا نحتاج إلى تأمين التمويل الذي يتناسب مع كل التحدي من حيث حجمه وتعقيده (والفرص المتاحة لمعالجته).
من المرجّح أن يكون مصدر التمويل لمرحلة النمو المتسارع ( (scale-upللمشاريع الريادية التعليمية، في التعليم و غيرها، عبر المنطقة صادراً عن كبار المستثمرين في العالم، الذين إلى الآن لم يقوم أي منهم بأي نشاط جدّيٍّ في المنطقة. ولكن لابد من أن نوقن أنه يقع على عاتقنا :أصحاب الدار إثبات أن المنطقة العربية هي مصدرٌ غنيٌ للإبداع وفرص الاستثمار الاجتماعي، والى ذلك يجب أن يعمل المانحون والمستثمرون المحليون (ولربما بعض صناديق الثروة السيادية) على تحديد المواهب الواعدة ودعمهم لتطوير أفكارهم ماديا و معنويا و تسليط الضوء عليهم لتمكينهم من الوصول إلى مراحل النمو أكثر تقدماً.
و من الضروري أن ندرك إننا بحاجة للاستثمار ببعض الأمور غير الملموسة في مجال الريادة في التعليم، مثل الاستثمار في تطوير الإجراءات و المعايير وتعميم المعرفة في تطبيق البرامج، والتدريب على استخدام التكنولوجيا ورفع الوعي حول أمور محورية (كأهمية فترة الطفولة الملكرة) وغيرها .من خصائص هذه الاستثمارات أنها تولّد عوائد قابلةً للاستخدام من قبل الآخرين. فعلى سبيل المثال، إذا كنت تعمل على رفع الوعي نحو أهمية وجود برامج تحفز تفعيل دور الأهالي، يمكن أن يدخل مشروع آخر في نفس المجال فيما بعد ويستفيد من عملك. كما أن هذا النوع من المشاريع هو ضمن المشاريع الأكثر صعوبةً فيما يخص الحفاظ على حقوق الملكية.
وبالتالي، فمثل هذه المشاريع تحتاج الى ايجاد "مؤسسات ريادية خيرية" قادرة على احتساب القيمة التي تم تحقيقها على مستوى النظام ككل، حتى وإن كانت العوائد على المشاريع الفردية غير مؤكدة. فهذا الملف يرى دوراً مهماً لرأس المال الصبور القادر على تقديم قيمة مضافة تتجاوز التمويل المادي، ويدعو إلى وجود مجموعة متنوعة من الأدوات المالية تشمل سلسلة من العائدات.
ثانياً: ربط التمويل، وبالتالي الطاقة الريادية، بتقديم نتائج واضحة
تركز الكثير من الابتكارات في مجال التعليم على أتمت الممارسات الحالية (مثل تحويل الكتب المدرسية إلى كتب إلكترونية) إلا أنها تفشل في الوصول إلى جوهر التغيير في أساليب التدريس وعملية التعلّم كالمحور الأساسي (ليس الوحيد طبعا) لأي تحسن في أداء الطلاب. كما تعاتي معظم جهود الابتكار من ثقةً مفرطة في قدرات المنتجات المنفردة لإحداث التغيير فضلا عن البرامج المتكاملة المبنية على فهم واضح للعوامل المتشابكة.
لذلك، عندما نبدأ بالتركيز على تحسين مخرجات التعليم و بالتحديد أداء المتعلمين، أي فيما يعرفه المتعلم أو يمكنه القيام به، عندئذٍ تظهر إلى السطح مجموعة محورية من الأسئلة لكل من الرياديين والممولين. وبعبارةٍ أخرى، لدفع عجلة التطور التعليمي قدما يجب أن نتجاوز الحديث الغامض عن "تطوير التعليم" ونصل إلى مستوى من التفصيل (مثلا المطالبة بتحسن في قدرة التفكير الناقض أو الطلاقة بالغة العربية الفصحى لصف معين بمعايير مححدة الخ) التي من خلاله سيكون من المرجّح أن يُحدث الابتكار فرقاً. في تحسين التعليم.
ثالثاً: تقديم الدعم الذي يلبي احتياجات الرياديين في قطاع التعليم
ان برامج دعم الرياة العامة لا تغطي كافة احتياجات رياديي قطاع التعليم - الذين يركزون على هدف يتمثّلفي تحسين مخرجات التعليم. فعلى سبيل المثال، يحتاج رياديو التعليم إلى التدريب مخصص حول سُبل الوصول إلى آخر الأبحاث التعليمية (educational research) واستخدامها، أو وصل هؤلاء الرياديين بمواقع تجريبية (test-bed sites) مثل المدارس المبتكرة أو الجامعات أو أماكن العمل مؤهلة و مستعدة لخوض هذه المسيرة معمه لاختبار ابتكاراتهم بنمط مدروس على أرض الواقع.
وقد تم الآن تنفيذ العديد من هذه الجوانب خارج منطقة الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، يعتبر فان كلا من برنامج EDUcate في لندن و Injini في جنوب أفريقيا أقوى بكثير من برامج التسريع غير المتخصصة في تطوير واستخدام الأدلة والأبحاث المتعلقة بالتعليم و التعلم. وكذلك، كان برنامج Innovate NYC في عهده نموذاجا مهما في تأمين مواقع منصات الاختبار وتأمين مشاركة المعلم في تطوير الابتكارات.
إن التعلّم من مبادرات كهذه سيمكننا من التفوق على معظم برامج التسريع التقليدية (والتي يحمل بعضها أسماءً بارزة جداً) والتي تتعامل مع إحداث التغيير في التعليم كمشكلة برمجية عامة – عوضا عن اعطائه العناية التي يحتاجها.
رابعاً: لا تتجاهل تشجيع الطلب على الابتكارات (حتى وإن كان ذلك معقداً)
لا يكفي اختراع الأشياء الجيدة، فنحن بحاجة إلى أن يتم شراؤها واستخدامها، وأن يكون شراؤها واستخدامها مينيا على فهم واضح لما يمكن أن تقدمه هذه الأشياء لعملية التعلّم ومتى نستخدمها ولماذا.
ويعني هذا كحدٍ أدنى توفير الحوافز والمهارات والمؤسسات المطلوبة لجمع الأدلة وتوزيعها. كما أننا بحاجة إلى القيام بذلك بطريقةٍ لا تضغط على الابتكار بشكلٍ مفرط، وتساهم في الإبقاء على وتيرة الإبداعات وسرعة الابتكار الرقمي، وتكون مفيدةً وموثوق بها وتصل إلى الأشخاص المناسبين.
ان تحقيق كل هذه المهام اللازمة يستوجب منا نسج عدد من القدرات المختلفة. فقد يكون بينها بعض القدرات التي تعمب ببطٍء و بشكلٍ هادف، مركزة على جمع الأدلة و تراكم المعرفة خارج نطاق الضغط السياسي ووتيرة اخراج و نعديل السياسات الحكومية. وستكون هناك قدرات أخرى أسرع - متفائلة بشكلٍ هادف ورد فعلها سريع – مثل استخدام لقاءات المعلّمين ) Educator meet-ups( لتبادل الأفكار وأفضل الممارسات.
ونجد هنا أمثلة يمكننا التعلم منها أيضاً. على الرغم من تفاوت مستويات نجاحها، إلا أن مبادرة What Works في إنجلترا هي محاولة لتجميع خزنة معلومات (كاتلوج) لما يمكن أن يحقق النجاح في مجالات تتراوح من التعليم إلى التقدم في السن . وقد طورت مؤسسة Digital Promise في الولايات المتحدة كتالوج لأساليب الدعم التي يمكن تقديمها للراغبين بشراء برامج تكنولوجية تعليمية لمساعدتهم على اتخاذ القرارات المناسبة لاحتياجاتهم.
خامساً: دعم ريادة الأعمال المحلية
تنطوي معظم مساعي الابتكار على استعارة جهودٍ سابقة أو تكييفها أو تجميعها أو تفكيكها (وينعكس هذا في الآيفونiPhone حيث قامت الشركة بأخذ مجموعة من النظم التكنولوجية الموجودة ومزجها معاً لتصبح منتجاً أكثر جذباً ونجاحاً). وإن الابتكار الاجتماعي الناجح شبيهاً بذلك لأنه في كثير من الأحيان يتطلب استعارة ما قدمه الآخرون والخروج بإلهامٍ منه. ومع ذلك، فإن من النادر ما تنجح استعارة فكرة كاملة من سياقٍ آخر وتنفيذها كما هي في سياقنا المحلي.
وهنا يكون للرياديين المحليين أفضلية واضحة تنبثق من قدرتهم الشبه فريدة على فهم و تحديد الاحتياجات (والفرص) الاجتماعية في مجتماعاتهم. كما يتميزون في تحديد صانعي القرار والوصول إليهم، فضلاً عن مهارتهم في إيصال أفكارهم عن طريق القنوات الصحيحة. و أخيرا، فان الرياديين المحليين بناء على معاشرتهم للمجتمعاتهم أكثر قدرةً على رسم الخطوات والإجراءات المطلوبةً للتغيير الاجتماعي و تفعيل بعض موارد المجتمع التي غالباً ما يتم إهمالها قي عملية التغيير.
ندرك أن تحقيق هذا كله لن يكون سهلاً ولكن الرياديين المحليين يتحلون بالالتزام (وربما يفتقرون إلى الخيارات الأخرى) المطلوب عندما تصبح الأمور أكثر صعوبة. فمثلاً يمكن لشركة "أوبر" الخروج من منطقة الشرق الأوسط اذا اشتد عليها الأمر، وهذا على غرار شركة "كريم" اتي تجد حذورها و أساسها في المنطقة – والتي تقوم يتسخيير هذه الجذور المحلية للفوز.