أصدرت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي مؤخرًا نتائج الدورة الأخيرة لاختبار (بيزا) الذي يقيس قدرات الطلبة في سن 15 عاماً من جميع أنحاء العالم في مجالات القراءة والرياضيات والعلوم. هذا وقد شارك أكثر من نصف مليون طالب وطالبة من 79 دولة في هذا الاختبار.
يُعتبر هذا حدثاً كبيراً بالنسبة لصناع السياسات في مجال التعليم من جميع أنحاء العالم، إلا أن الأهمية الأكبر لهذه النتائج قد تكون لهؤلاء الطلبة الذين تبلغ أعمارهم 15 عاماً الذين تقدموا للاختبار.
تتمثل النقطة الرئيسية في أن هذه التقييمات تتيح لنا مقارنة أداء دولة ما مع غيرها من الدول بشكلٍ موثوق. وفي عالم يشهد اتصالاً وعولمة متزايدين، فإن هذا الاختبار يتيح للأردن معرفة مدى جاهزية وتأهيل طلابها للمنافسة العالمية على المهارات.
كتب أندرياس شلايشر في تقرير نتائج بيزا: "تُظهر نتائج (بيزا) أن هناك عوامل مرتبطة بشكل إيجابي بالأداء الأكاديمي تشمل الدعم المقدم من أولياء الأمور ومناخ المدرسة الإيجابي وعقلية النمو لدى الطلبة".
بالإضافة إلى مجالات الرياضيات والعلوم والقراءة التي تُعتبر مجالات تقليدية، فإن هذه الاختبارات تُقيّم أيضاً بعض الكفاءات اللازمة للمنافسة في عالم يشهد مزيداً من أتمتة الوظائف. على سبيل المثال، يتم قياس مهارات مثل مهارة "حل المشكلات بطريقة إبداعية" والتي تُعتبر من المهارات الأشد صعوبة فيما يتعلق بالأتمتة، وبذلك فإنها تتيح للطلبة اكتساب المهارات اللازمة للمنافسة في القرن الواحد والعشرين.
بالنسبة لصناع السياسات في مجال التعليم، تشكل هذه الاختبارات أيضاً فرصة للمدارس لتتعلم من المدارس الأخرى ذات الأداء الأفضل. حيث تتيح مجموعات البيانات الهائلة التي يصدرها البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (بيزا) للباحثين التربويين طرح أسئلة مثل "ما العلاقة بين الإنفاق على التعليم وتعلُّم الطلبة؟" أو "أي ممارسات التدريس ترتبط بتحسين تعلُّم مادة العلوم؟"
كما يمكن لها أيضاً أن توفر فرصة لإجراء مزيد من الدراسات. ففي مرحلة ما، وضعت وزارة التربية والتعليم في فنلندا (صاحبة أنجح النظم المدرسية وفقاً للبرنامج الدولي لتقييم الطلبة) إدارة مكرسة لاستقبال الزوار من الدول الأخرى في مدارسها. وأمضى أحد المعلمين عاماً في زيارة المدارس الأعلى أداءً لاستخلاص الدروس المستفادة وكانت ثمرة جهوده تأليف الكتاب الممتع Cleverlands, The Secrets Behind the Success of the World's Education Superpowers.
تحظى نتائج اختبار (بيزا) بأهمية كبيرة بالنسبة للأنظمة التعليمية لدرجة أن هناك ظاهرة سُمّيت على اسم الاختبار ألا وهي "صدمة بيزا"، التي تصف انزعاج الدولة عندما تواجه حقيقة أن أداءها أضعف مما كانت تتوقع. وكانت ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبيرو من أبرز الدول التي عانت من هذه الصدمة، إلا أنها استجابت لها بحكمة من خلال مضاعفة جهودها الرامية إلى التحسين.
تترتب على نتائج التعليمية المتدنية تكلفة هائلة لتحقيق النمو والرخاء في المستقبل وذلك لأن رأس المال البشري يشكل عنصرًا أساسيًا في الثروة على مستوى العالم.
إن معالجة أزمة التعلّم تتطلب بناء أنظمة توفر تعليمًا عالي الجودة. ويتطلب الإصلاح التعليمي الناجح تصميمًا جيدًا لسياسات وبرامج تنفيذ فعالة. ويعني أيضًا دعم المعلمين ومنحهم الوقت والفرصة لتطوير مهارات التدريس الخاصة بهم بشكل يتماشى مع الرؤى الحديثة حول تمكين الطلبة لتحقيق إمكاناتهم. معالجة أزمة التعليم في الأردن تتطلب أيضًا تفصيل نتائج البرنامج الدولي لتقييم الطلبة بدقة بالإضافة إلى البحث في العوامل الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بضعف أداء الطلاب في الأردن.