يعتبر تعلّم الرياضيات وتدريسه من أكبر التحديات التعلمية التي يواجهها كل من الطلاب والمعلمين في الاردن. بالمجمل، تؤثر مناهج الرياضيات ذات المحتوى المكثف بشكل مبالغ فيه على قدرة المعلمين على تطبيق الانشطة اللامنهجية في الغرف الصفية. والذي يؤثر سلباً ايضا على قابلية وقدرة المعلمين على تلبية الحاجات التعلمية لكل طالب على حدى. من التحديات التعليمية على صعيد مبحث الرياضيات، فإن هنالك نسبة ضئيلة من المعلمين الذين يتبعون نهج التعليم المتمركز على الطالب، والذي يدعوا الى جعل الطالب واحتياجاته هو مركز الحصة الدراسية وليس المعلم والمنهاج الدراسية (المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية، 2014). من ناحية أخرى، يسود فهم خاطىء عن الرياضيات لدى الطلبة والمعلمين بشكل عام، ويقوم هذا الاعتقاد الشائع الخاطىء على ان الرياضيات هي مهارة فطرية يولد المرء بها او لا، ولا يمكن تنميتها[1]. هذه التحديات مجتمعهة تؤثر سلباً على تحصيل الطلبة في الأردن في تقييمات الرياضيات العالمية؛ حيث أن ثلثي طلبة الصف التاسع يقل مستوى أدائهم عن المستوى الأدنى في اختبار البرنامج الدولي لتقييم الطلبة لمادة الرياضيات (PISA Math).
يُعد تحسين نتائج التعلُّم الحسابي والتعلم الاجتماعي العاطفي لدى الطلبة في مقدمة أهداف مؤسسة الملكة رانيا، بالإضافة الى الارتقاء بمستوى النظام التعليمي في الأردن. ومن أجل معالجة هذه القضايا، طوّرت مؤسسة الملكة رانيا برنامجاً تجريبياً يخص "التعلُّم القائم على دمج تقنيات الألعاب التحفيزية". ويهدف هذا البرنامج التجريبي إلى دمج الألعاب في محتوى مناهج الرياضيات، من أجل ضمان تقديم عملية تعلُّم أكثر جاذبية للطلبة. قامت المؤسسة قبل البدء في تنفيذ البرنامج التجريبي، على تدريب المعلمين على كيفية استخدام هذه التقنيات في الغرفة الصفّية. وتم تنفيذ البرنامج في 20 مدرسة حيث استهدف طلبة الصف التاسع، وبلغ حجم العينة 1,040 طالباً وطالبة. ويهدف البرنامج بالمجمل إلى تحسين أداء الطلبة في الرياضيات ومهاراتهم الاجتماعية العاطفية وتحسين فعالية المعلمين.
تم تقييم البرنامج باستخدام نهج التقييم المدمج ما بين الاساليب الكمية والنوعية، بما في ذلك نموذج الانحدار الخطي الإحصائي OLS regression)) ، تليه مجموعات التركيز لجمع البيانات النوعية في منتصف البرنامج ونهايتها. وركّز التقييم على تثييم مدى فاعلية نظرية التغيير للبرنامج (ToC) وما إذا انطبقت بفاعلية اثناء عملية تنفيذ البرنامج في الصفّوف الدراسية.
تبيّن النتائج أن برنامج التعلُّم القائم على دمج تقنيات الألعاب التحفيزية قد أثر على بيئة الصفّ الدراسي بشكل إيجابي من خلال تقديم أدوات جديدة للمعلمين لدعم طلابهم. ومكّنت الألعاب المعلمين من كسر الجمود مع طلابهم. وفي حين استمتع الطلاب بالمنافسة البناءة، كانت الألعاب التي أدخِلت إلى الصف الدراسي وأنشطة العمل الجماعي بمثابة إضافة رائعة إلى تجربة الطلبة في الصفّ الدراسي.
ومع ذلك، لم يُظهر البرنامج أي تحسُّن ملحوظ في أداء الطلبة وفعالية المعلمين بطريقة مباشرة يمكن قياسها احصائياً، وذلك نظراً لبعض التحديات التي واجهها البرنامج أثناء التنفيذ. فقد كان البرنامج يعتمد بشكل كبير على توفير الدعم للمعلمين من قبل المدراء والمشرفين الرسميين. وحينما لم يتم توفير هذا الدعم عند الحاجة، اعتبر المعلمون البرنامج على أنه عبىء عليهم وليس فرصة لصالحهم. أما الطلبة فاستمتعوا باللعب، لكنهم لم يكونوا متحمسين لبذل أقصى جهودهم في دعم فرقهم بسبب عدم وجود حوافز قيّمة للفائزين. ونجح التدريب في تزويد المعلمين بالمهارات اللازمة لاستخدام الألعاب، لكنه لم يركّز على مجالات التطوير التربوي الأخرى مثل العمل الجماعي والتفكير النقدي.
يُعد التعلُّم القائم على دمج تقنيات الألعاب التحفيزية مجالاً ناشئاً في التدخلات التربوية. كما يعتبر المفهوم بنفسه واعد للغاية ويمكن تحسينه من خلال مواصلة التطوير باستخدام الأبحاث القائمة على الأدلة. وخلص التقييم إلى نتائج دقيقة للغاية والتي قدمت عدداً من التوصيات الجوهرية. أولاً، أثناء تصميم البرنامج، يجب على المنظمة أن تنظر بعناية الى سياق النظام التعليمي. كما ينبغي النظر في التحديات القائمة في الصفوف الدراسية مثل المناهج الدراسية ذات المحتوى الكبير المكثف، وسعي المعلمين الحثيث إلى إكمال المنهج الدراسي بأكمله قبل نهاية العام الدراسي. وقد يكون البرنامج التجريبي أكثر فاعلية إذا كانت الألعاب أقصر و مضّمنة في أدلة التدريس الخاصة بالمعلمين. ثانياً، يجب تصميم الحوافز بحيث تُعطى للفريق الفائز؛ وليس الأفراد. والذي بدوره سيحفز الطلبة على العمل كفريق واحد ودعم الطلاب ذوي الأداء المتدني. ثالثاً، يجب أن يكون لدى المعلمين مستوى معين من المرونة في تطبيق الألعاب، دون الاعتماد بشكل كبير على الدعم من فريق التنفيذ أو المشرفين الرسميين. رابعاً، يجب أن يشمل التدريب وحدة واضحة تتناول المجالات التعليمية الاجتماعية العاطفية الرئيسية مثل العمل الجماعي والتفكير النقدي. خامساً، يُنصح بشدة بشمول المدراء والمشرفين في التدريب؛ حيث سيضمن شمولهم تحقيق المستوى المطلوب من الدعم المؤسسي لتنفيذ البرنامج التجريبي. وأخيراً، يجب تصميم الألعاب بطريقة شاملة قادرة على استهداف جميع الطلاب بغض النظر عن اختلاف مستوى مهاراتهم.
سلّط هذا البرنامج التجريبي الضوء على فكرة برنامج فعال من حيث التكلفة والتفاعلية والذي يمكن أن يساعد المعلمين في تقديم الدروس بفعالية أكبر، ويمكن أن يجذب الطلبة إلى مبحث الرياضيات ويثير اهتمامهم في المبحث. وساهمت نتائج التقييم بشكل كبير في إثراء نهج اتخاذ القرار القائم على الأدلة والمتبع في مؤسسة الملكة رانيا. وإن مفهوم التعلُّم القائم على دمج تقنيات الألعاب التحفيزية ينطوي على إمكانيات كبيرة في تحسين النظام التعليمي على نطاق أوسع ولكن بعد الاخذ بعين الاعتبار الدور الكبير الذي يمكن للافراد ان يلعبوه لضمان تحقيق النتاذج المرجوه.
[1] النتائج من مجموعات التركيز لدى مؤسسة الملكة رانيا من طلبة الصف التاسع في المدارس الحكومية