في طريقنا نحو نهضة التربية والتعليم في الأردن، ستواجهنا تحديات عديدة؛ سواء على صعيد المرحلة الأساسية (الدنيا والعليا) أو على صعيد المرحلة الثانوية . اليوم أرغب في التطرق إلى ثلاثة من هذه التحديات المتعلقة بتطوير المرحلة الثانوية، وامتحان الثانوية العامة بالتحديد، وسأتعرض أيضًا للمرحلة الأساسية وتحدياتها في وقت لاحق.
التحدي الأول: هو تحدي تقبّل التغيير بحد ذاته؛ فلو أجرينا اليوم استفتاءً حول من يقف مع تطوير التعليم ومن يقف ضده، لوجدنا أن الجميع مع تطويره، ولو حددنا رؤية وأهدافًا عامة للتطوير لوجدنا الغالبية الساحقة تقف معها، ولكن ما إن ندخل في حوارات حول تفاصيل تنفيذ الرؤى والأهداف، حتى ينبري كل طرف للدفاع عن الوضع القائم حاليًّا في ما يخصه. إنها الطبيعة الإنسانية التي تخشى التغيير والخروج عن المألوف، والتي لو تُركت على سجيّتها لأجهضت كل تغيير أو تطوير، ليس لأن نواياها سيئة، لكن لأن التغيير يخرجها من منطقة الراحة التي اعتادت عليها وتعايشت معها، فالتغيير الذي تراه مناسبًا هو ذلك الذي يطال كل شيء بعيدًا عما يخصها، ولكن بالمحصلة يضمن هذا المنطق عدم تغيير أي شيء، وسيؤدي إلى التخلف عن ركب النهضة في التربية والتعليم.
لقد حذر جلالة الملك عبد الله الثاني في ورقته النقاشية السابعة وبشدة من هذه الظاهرة، وأخطار المماطلة والتسويف والتأجيل؛ لذا فالمهمة الماثلة أمامنا إذاً هي أن نمضي قدمًا نحو التغيير في الوقت الذي نستفيد فيه من الحوار والتغذية الراجعة، ليس لتعطيل المسيرة بل لتعظيم المكتسبات والحد من الأخطار.
التحدي الثاني: هو الحاجة الملحّة اليوم وفي خِضَمِّ الثورة الصناعية الرابعة إلى الانتقال من الفهم السطحي والعابر للمواد إلى التعمق والتخصص والتفكير الناقد والإبداعي، وعليه فمن الضروري خفض العدد الكبير من المواد التي تطلب من الطلبة؛ وذلك ليتسنى لهم التركيز والتعمق في هذه المواد وبشكل تفاعلي وتطبيقي.
نعي تمامًا النية الحسنة للزملاء الذين يحذرون من "نتائج كارثية" إذا ما تم تخفيض عدد المواد من 9 إلى 8 واحتساب 7 مواد في امتحان الثانوية العامة، لكننا ندعوهم أولاً إلى أن يطمئنوا، وأن يطّلعوا على الممارسات العالمية في هذا المجال، فمعظم أنظمة التعليم العالمية في الدول التي تجاوزتنا في مؤشرات التعليم تتطلب النجاح في ستة مواد في امتحان الثانوية العامة. وندعو الزملاء ثانية إلى التبصّر في مفارقة أن النظام التعليمي في الأردن ومنذ زمن طويل يعادل شهادات البرامج الدولية بمستوى الثانوية العامة لكافة المدارس الخاصّة في الأردن التي تقدم تلك البرامج بسبع مواد فقط؛ فلماذا نسمح للطلبة الأردنيين في المدارس الخاصة التقدم بسبع مواد في البرامج الأجنبية ونعادلها بالثانوية العامة، ولا نسمح بذلك لطلبتنا في امتحاننا الوطني؟
التحدي الثالث: ويتمثل ذلك التحدي في تخلّينا -أولياء أمور ومربين- عن هامش ولو بسيط من سطوتنا على القرارات المتعلقة بمستقبل أبنائنا الطلبة، ليس المطلوب تركهم وشأنهم بالمطلق، ولكن أن نسمح لهم باكتشاف ميولهم المهنية والعلمية، وأن نعزز قدرتهم على اتخاذ القرار، وتحمُّل المسؤولية. أعي تمامًا أننا نريد دائمًا ما هو أفضل لهم، ولكن أليسوا هم بحاجة إلى التعبير عن أنفسهم وعن رغباتهم وميولهم؟ إن لم نشركهم بالقرارات التي تمسّ مستقبلهم وسعادتهم وتحقيقهم لذاتهم، فمتى سنشركهم؟ علينا تقديم الإرشاد المهني والوظيفي وتوفيرالمعلومات ومناقشة البدائل، وعليهم اتخاذ القرار بشأن مستقبلهم.
إن التطوير جار ليس فقط على المرحلة الثانوية وعلى امتحان الثانوية العامة، بل على كافة المراحل، وعلى كل مكونات العملية التعليمية، وأهمها المعلم ومهننة التعليم عن طريق نظام مزاولة المهنة والمسار الوظيفي، والبيئة المدرسية الصحية والآمنة. ندرك أن التحديات كبيرة والطريق طويلة، ولكن فرصنا قوية أيضًا والهمة عالية إن شاء الله، وعلينا السير بشجاعة وثقة إلى الأمام، نتعلم من أخطائنا، ونبحث عن الممارسات الفضلى عالميًّا، وندرسها لنستفيد منها لما فيه مصلحة طلبتنا، ونهضة بلدنا.
معالي وزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز