عبارة بتنا نسمعها بكثرة خصوصًا بين مصطلحات التربية وهي "التربية الواعية". ماذا تعني؟ كيف نطبقها مع أطفالنا؟ ما عناصرها؟ وما أثر ممارستها على حياتنا وعلى أطفالنا؟
ببساطة التربية الواعية تعني أن نتصرف بشكل واعي بدل أن نترك ردود أفعالنا ومشاعرنا تسيطر على طريقة تعاملنا مع أطفالنا.
في حياتنا نتعرض للكثير من المواقف مع أطفالنا، وكثير منها ما يثير غضبنا ويجعلنا نفقد أعصابنا أحيانًا، فإذا توقّفنا للحظة قبل أن نُبدي ردة الفعل فهذا وعي، وقد لا يكون التوقّف سهلًا في البداية ولكنّه مع الممارسة يصبح عادةً. من الخطوات التي تساعدنا على التوقّف قبل التسرع بالتصرف في مواقف معينة هي: أخذ نفس عميق، والعد إلى عشرة، والتذكر أن من أمامنا هو طفل في مرحلة التطور وطور النمو والتعلم، وأنّنا نحن من سيمكنه من اجتياز هذه المرحلة بنجاح وأننا القدوة التي يتعلم منها كيفية التعامل مع الانفعالات والمواقف المختلفة.
نكون واعيين لما يحدث معنا في اللحظة، أن نعي شعورنا، وهي الوعي بما يحدث معنا وبردّة أفعالنا خلال اللحظة وفي كل لحظة نمر بها..
من الأمور التي تندرج تحت التربية الواعية هي أن ندرك الشعور الذي ينتابنا كأهل في مواقف مختلفة مع أطفالنا؛ شعورنا بالغضب، الحزن، أو حتى الفرح، وأن نعيش الشعور بحواسنا كلّها مع إعطاء كلّ شعور حقه.
كيف نقضي الوقت مع أطفالنا بوعي؟
أحد أهم عناصر التربية الواعية هو أن نكون مع أطفالنا بكل حواسنا وتركيزنا عندما نقضي الوقت معهم، حتى لو كنا نعمل لساعاتٍ طويلة خارج المنزل، أو لدينا الكثير من المسؤوليات، ولكن ساعة نوعية "واعية" بدون أي شيء يشتت تركيزنا مثل الهاتف أو غيره تعوّض يومًا بأكمله من الحضور الجسدي فقط مع الطفل.
للتربية الواعية عناصر أساسية:
أولاً: النية؛ ما نيتنا تجاه الطفل؟ تجاه سلوكه، وعمره، وخصائصه الفردية، بالإضافة إلى ما نخطط إليه، ونوايانا كأهل وراء تصرّف الطفل بسلوك معيّن.
ثانيًا: الانتباه؛ الانتباه إلى الطفل أثناء قضاء الوقت معه واللعب معه، عن طريق الاستجابة له، والنظر في عينيه، وإعطائه الاهتمام الكامل. باختصار، وجود تناغم بين التواصل البصري والجسدي؛ فذلك يساعدنا على فهم طفلنا أكثر ومعرفة احتياجاته.
ثالثًا: الأسلوب؛ هل أسلوبي عنيف؟ هل مبني على رفع الصوت والعصبية؟ أم أنه مبني على التفهم والتعاطف حتى مع أنفسنا كأهل، خاصة عندما يقوم الطفل بسلوك يثير غضب والديه فمن المهم جدًا أن نتعاطف مع أنفسنا، وأن ندركّ صعوبة الموقف.
صحيح أن رحلة التربية مليئة بالتحديات وبعض من الضغوطات، ولكي ننجز المهام المتعددة لا بد من أن تتسم الحياة اليومية بالسرعة، ولكن الخبر السار هو أنّ عدم النجاح في كل تجربة أمر عادي جدًا، ولا داعي لأن نضع عبء القيام بالأمور على أكمل وجه على أنفسنا. والتربية الواعية تمكننا من اختيار أساليبنا للتربية بوعي، كما تساعدنا على اختيار المناسب وتغيير ما لم يعد يتناسب مع عصرنا أو متطلبات الأطفال وذلك لأننا عند التركيز مع أطفالنا واحتياجاتهم واهتماماتهم نتمكن من إيجاد طرق اكثر فعالية من غيرها.
على الأهل أن يعوا أن التطور الانفعالي والعاطفي هو عبارة عن مجموعة مهارات؛ فكما نعلم الطفل مهارة الكتابة عن طريق البدء بمسك القلم ومن ثم كتابة الحروف ثم الكلمات ثم جملة، بالطريقة ذاتها يحدث التطور العاطفي، فعلينا أن نبدأ خطوة بخطوة من تسمية الطفل لمشاعره، ثم فهمها، ومعرفة كيفية التعامل معها... خطوة صغيرة تلو الاخرى لكي نصل لأهدافنا النهائية.
يوجد عدة اسئلة مهمة يجب علينا كأهل أن نسألها لأنفسنا: هل نحن نماذج صحيحة أمام الطفل؟ هل نتحكم بمشاعرنا و نضبط انفعالاتنا أمامه بطريقة إيجابية؟ أم نترك الانفعالات تتحكم بنا وتقود تصرفاتنا؟ فإن نجحنا بذلك نجحنا بمساعدة الأطفال على التحكم بمشاعرهم و بكوننا مثالًا يحتذون به؛ فأن اطفالنا مرآة لافعالنا.
أحياناً يطلب الأطفال أمورًا لا يمكننا تلبيتها أو الموافقة عليها لأسباب معينة، ولكن من المهم أن نحترم رغبة الطفل ولا نتسهين بها، جزء مهم من التربية الواعية مبني على تقديم أقل ما يمكننا تقديمه، وهو طمأنة الطفل وإشعاره أننا نفهم إحساسه ومدى رغبته في الحصول على الشيء، وتحديد متى يمكنه الحصول على الشيء، أو تقديم بديل مسموح.
تعاطفنا مع الطفل وتقبله (فهم السلوك الذي يقوم به وما وراءه وليس أن نقبل الخطأ) هو من أهم الأمور التي علينا تذكرها، والتي تساعدنا في تطبيق الوعي في تربيتنا.
فكلما كنا أكثر وعيًا بمعاملة الطفل، كانت أساليب التربية المتبعة أكثر فعالية.
شكر خاص لأخصائية الطفولة والإرشاد الوالدي سيرسا قورشة على مشاركتنا النقاط المهمة التي يتمحور حولها هذا المقال