تعمل مؤسسة الملكة رانيا على إيجاد أفضل الأساليب لتحسين مخرجات التعلم للأطفال في شتى أرجاء العالم العربي. ومن بين الأساليب العديدة التي قامت المؤسسة بتجربتها هو استخدام الألعاب التحفيزية لزيادة مستوى مشاركة الطلاب ومساعدتهم على التغلب على بعض مخاوفهم بشأن التعلم. وتراوحت جهود المؤسسة في هذا المجال من استخدام الألعاب التحفيزية في تدريس الرياضيات للصغار الراشدين، الى تطوير تطبيقات للأطفال الصغار جدًا لاستخدامها مع آبائهم. ولقد تعلمت المؤسسة الكثير من هذه التجارب والتحديات المصاحبة لها. لذا قضينا المزيد من الوقت في التفكير في قوة اللعب وكيف يمكننا الاستفادة منها في إشراك الأطفال في تجارب تعليمية إيجابية ومجدية. وفي ضوء ذلك، سعينا للتواصل مع كريس ليندغرين التي كانت تعمل حتى وقت قريب ضمن فريقكان رائدًا في نوعية جديدة من تطبيقات الألعاب التي تركز على اللعب الاستكشافي. وتواصلنا مع السيدة ليندغرين لمعرفة المزيد عن تجربتها ومشاركتها مع جمهور أكبر يهتم بالقوة التي ينطوي عليها اللعب.
جرى تحرير المقابلة وإيجازها بشكل مركز من أجل الوضوح.
المؤسسة: نود أن نشكرك على وقتك الذي خصصتيه لنا اليوم. إنك تمتلكين سجلاً عمليًا متميزًا، كما أنك خضتِ رحلة مثيرة للوصول إلى ذلك. لذا نرى أن الكثير من مصممي الألعاب التعليمية الطموحين يتوقون لمعرفة المزيد عنها. هل يمكنك البدء بإخبارنا عن قصتك وكيف دخلتِ مجال تصميم الألعاب للأطفال أو عن عملك كـ "مصممة اللعب" (play designer)؟
كريس ليندغرين: بدأت رحلتي فعليًا بعد الانتهاء مباشرة من الدراسة في السويد عندما كان عمري 18 عامًا. وكان ذلك في منتصف التسعينيات، وأردت العمل في مجال "الويب". ولذا درست إنشاء المواقع الشبكية في كلية هايبر آيلاند والتي ركزت حقًا على التجارب العملية و"التعلم بالممارسة". وحصلت بعد تخرجي على وظيفتي الأولى كمبرمجة في واحدة من الشركات المحلية.
ورغم أنني كنت متحمسة في البداية للوظيفة، لكنني أدركت أنني أريد أن يكون المحتوى الذي أطوره أكثر فائدة وجاذبية، وفي نفس الوقت كنت أطمح منذ فترة على العمل مع الأطفال. وفي تلك المرحلة، التحقت بجامعة ستوكهولم للحصول على درجة أكاديمية أخرى في ثقافة الطفل. وكان أول مشروع لي لصالح موقع تلفزيون الخدمة العامة السويدي حيث طُلب مني تطوير ألعاب لتتوافق مع برامجهم التلفزيونية. واستمتعت حقًا بتلك التجربة، وانطلقت بعدها حياتي العملية كـ "مصممة اللعب".
وأثناء عملي مع التلفزيون السويدي، سمعت عن شركة ناشئة كانت رائدة في استخدام الشاشات التي تعمل باللمس مع الأطفال. وكان هذا في عام 2010، وهو نفس العام الذي طُرح فيه أول جهاز "آي باد". كانت تلك الشركة الناشئة هي شركة "توكا بوكا" Toca Boca وكنت واحدة من بين أول اثنين من الموظفين الذين انضموا إلى الفريق. وفي Toca Boca، كانت لدينا رؤية واضحة لما أردنا القيام به، ألا وهو تطوير تطبيقات تركز على اللعب الاستكشافي بدلاً من الألعاب العادية التنافسية أو التعليم التقليدي. وكان متجر التطبيقات App Store في ذلك الوقت خاليًا تقريبًا من هذه النوعية من التطبيقات. لذا كانت لنا الريادة حقًا في مجال تطوير ألعاب مصممة للعب وتنمية الخيال. وبدأنا في استهداف الأطفال من سن 3 إلى 6 سنوات، ثم قمنا بتوسيع نطاق الألعاب تدريجيًا لتخدم الأطفال حتى عمر 9 سنوات. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، انتقلت من كوني مصممة ألعاب إلى العمل كمدير أبحاث حيث ينصب تركيزي على إدخال أفكار ورؤى الأطفال في عملية التصميم لتحسين جودة جميع منتجاتنا. ولقد قضيت وقتًا رائعًا في Toca Boca لكنني انتقلت الآن للقيام بمزيد من العمل المستقل. وأعمل حاليًا على دعم إحدى دور النشر في مجال كتب الأطفال.
المؤسسة: كيف يختلف تصميم الألعاب للأطفال، أو تجربة مستخدم للأطفال، عن القيام بذلك للبالغين؟ وكيف يمكنك إشراك الأطفال في هذه العملية؟
ليندغرين: إن الجانب المهم حقًا بالنسبة لي هو أن أتمكن من تزويد الجميع خلال رحلة إنتاج اللعبة بمنظور الأطفال الصغار وكيفية رؤيتهم للأمور (نظرًا لأن ليس هناك أطفال بين من يشاركون في تصميم و برمجة هذه العملية!). ويصعب القيام بهذا الأمر في الشركات الكبرى، وكان من الصعب في الواقع القيام بذلك مع نمو Toca Boca. وبطبيعة الحال، فإن أفضل طريقة للقيام بذلك هي جعل أعضاء الفريق يقضون أكبر وقت ممكن مع الأطفال، وإذا كان ذلك غير متاح فعليهم تسجيل جميع الجلسات مع الأطفال وفق الأساليب والأطر المناسبة. وعلى الرغم من أهمية البحث الكمي، لكنني أرى أنه عند العمل في مجال التصميم للأطفال، فإن البحث النوعي هو العنصر الجوهري.
وعند إجراء البحوث النوعية، ثمة العديد من المنهجيات لإشراك الأطفال تبعًا لمرحلة عملية تطوير اللعبة. فعلى سبيل المثال، يتعين التركيز في البداية على الاستكشاف المفتوح للوصول إلى فكرة حول موضوع اللعبة التي تعمل على تطويرها؛ ولتدع البحوث تتم بقيادة الأطفال واستنادًا إلى أسئلتهم. وفي مرحلة ما قبل الإنتاج، يمكنك عمل نماذج أولية ورقية تتبعها في النهاية مراحل مختلفة من النماذج الرقمية في جميع مراحل الإنتاج. وعليك التأكد من الحفاظ على عقلية تكرارية ومرنة؛ ولا تخف من البدء من جديد. ويتعين عليك دومًا تخصيص وقت لإعادة تقييم خطتك لأن الأطفال مليئون بالمفاجآت، ومن المستحيل التنبؤ بكيفية استجابتهم.
المؤسسة: ما هي مصادر إلهامك؟ وما هي الموارد التي توصين بها لمعرفة المزيد حول تصميم الألعاب للأطفال؟
ليندغرين: رغم أنني سأبدو كشخص يميل للتكرار، إلا أن أفضل مصدر للإلهام هو قضاء الوقت مع الأطفال. فذلك أفضل طريقة للحصول على الإلهام ومعرفة المزيد عن تجربة المستخدم من منظور الطفل.
وقد شاركت خلال مسيرتي العملية في بعض المؤتمرات الرائعة التي أوصي بها بشدة كمصدر للإلهام والأفكار. وكان أولها مؤتمر الإعلام للأطفال في شيفيلد، والثاني هو قمة الإعلام العالمية للأطفال، وكذلك مؤتمر التصميم التفاعلي والأطفال الذي يحمل طابعًا أكاديميًا. كما أود أيضًا أن أسلط الضوء على الدور الذي تلعبه منظمة Designing for Children's Rights، وهي مبادرة تركز على تبني نهج أخلاقي في التصميم للأطفال.
المؤسسة: ما النصيحة التي تقدمينها للمؤسسات والأفراد الذين يتطلعون للدخول إلى هذا المجال؟
ليندغرين: إن نصيحتي هي عدم المبالغة فيما يُعرف بـ "تقنيات الألعاب التحفيزية" حيث إنه ينطوي على مخاطرة التركيز بشكل مفرط على التحفيز الخارجي. ومن المهم أن نتذكر أنه من الممكن تصميم تجربة ثرية يمكن من خلالها الاستفادة من الرغبة الأصيلة في اللعب لدى الإنسان. وثانيًا، أوصي بإجراء مقابلات مع الأطفال وأولياء الأمور معًا للتعرف على تجربتهم مع تطبيقك؛ حيث إن تجربة التطبيقات تؤدي دائمًا إلى حدوث تفاعل ديناميكي بين الوالدين والطفل. وأود في النهاية التنويه إلى أنه من الأهمية بمكان عدم الاستهانة بسرعة نمو الأطفال وتطورهم. وفي هذا الصدد، علينا أن ندرك أن هناك فرق كبير بين الفئات العمرية واهتمامات كل منها. ومن المهم أن تدرك ذلك وأن تكون على دراية بالسمات الجوهرية للفئة العمرية التي تستهدفها بالتصميم.
المؤسسة: شكرًا لكٍ على وقتك!