عُرّفت الازدواجية اللغوية (Ferguson 1959) على أنها وجود شكليْن مختلفيْن من اللغة ذاتها في المجتمع اللغوي ذاته، بحيث يكون لكل لهجة أغراض مختلفة عن الأخرى. وتُعدّ اللغة العربية من اللغات التي تشهد ازدواجيةً لغويةً، إلى جانب لغات أخرى مثل اليونانية والسويسرية الألمانية والكريولية الهايتية.
وفي اللغة العربية، تُستخدم العامية (اللهجة المحلية) في التفاعل والتواصل الشفهي خارج السياق الرسمي في الحياة اليومية. ومع أنّ اللهجات العربية مفهومة بشكل متبادل إلى حدٍ كبير، إلّا أنها تتباين من مجتمع لغوي إلى آخر، وتتأثر درجة التباين بين اللهجات المختلفة بالتقارب/التباعد الجغرافي. أمّا اللغة العربية الفصيحة، فتُستخدم إلى جانب اللهجات المحلية، لكنّها تُستخدم غالبًا في الكتابة في ضوء الاستخدامات الشفهية المحدودة للعربية لفصيحة التي تقتصر على السياقات الرسمية بصورة رئيسية.
يكتسب الناطقون بالعربية لهجاتهم المحلية كاللهجة الأردنية واللبنانية والسورية والمصرية والمغربية والإماراتية وغيرها العديد من اللهجات الأخرى المنتشرة في شتّى أنحاء الوطن العربي. وتعدّ اللهجات المحلية في هذه المجتمعات اللغوية أدنى مقامًا ضمن هذه الازدواجية اللغوية. فالعربية الفصيحة تُدرّس في جميع المدارس على امتداد الوطن العربي بدءًا من الصف الأول الابتدائي وبها تُتبادل جميع المعلومات، بما في ذلك الكتب المدرسية والصحف والمجلات والخطابات والخطب الرسمية والفواتير وما إلى ذلك. وعلى الرغم من ذلك، ومع مجيء مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الدردشة كالفيس بوك وتويتر وإنستغرام، وتطبيقات المراسلات كالواتس آب بدأ العديد باستخدام لهجاتهم المحلية في هذا النوع غير الرسمي من الكتابة.
من المهم إدراك مفهوم الازدواجية اللغوية في اللغة العربية وتأثيرها على تعلّم اللغة العربية الفصيحة في المدارس. ويتفق العديد من الباحثين على أنّ الاختلاف بين اللهجات المحلية واللغة العربية الفصيحة يمكن أن يزيد أو ينقص وفق درجة تعرّض الأطفال إلى اللغة العربية الفصيحة قبل مرحلة التعليم الرسمي. وثمة اعتقاد سائدٌ في الأوساط التربوية بأنّ التعرّض الشفهي المبكّر والمتكرّر إلى اللغة العربية الفصيحة من خلال الاستماع إلى القصص وأدب الأطفال والأناشيد، ومشاهدة رسوم متحركة باللغة العربية الفصيحة وغير ذلك من أشكال التعرّض الشفهي، مرتبطٌ بتطوّر معرفة الأطفال باللغة العربية الفصيحة ومهارات القراءة والاستيعاب لديهم.
وبما أنّ الأطفال العرب يتعرّضون إلى اللغة العربية الفصيحة للمرة الأولى في معظم الأحيان عند ذهابهم إلى المدرسة، فقد يواجهون بعض الصعوبات عند التحوّل من اللهجة المستخدمة في المنزل إلى العربية الفصيحة، ولذلك فإنه من الضروري أن يكون أولياء الأمور ومقدّمو الرعاية على درايةٍ بوجود هذه الظاهرة في اللغة العربية. إنّ تعزيز مستوى الأطفال بالقراءة لهم باللغة العربية الفصيحة أو جعلهم يستمعون إلى الأناشيد ويشاهدون الرسوم المتحركة أو يرتادون أماكن محببة تُستخدم فيها اللغة العربية الفصيحة يمكن أن يُحدث فارقًا كبيرًا في جاهزيتهم للمدرسة ونجاحهم الدراسي بصورة عامة.
ويُعدّ ذلك أمرًا غايةً في الأهمية لأنّ اللغة العربية الفصيحة هي لغة التدريس في غالبية المدارس الحكومية في الوطن العربي، وعليه فإنّ مواجهة الطلبة صعوبةً في قراءة النصوص باللغة العربية الفصيحة وفهمها ينعكس سلبًا على عملية التعلّم في المباحث الأخرى كافة، بما في ذلك الرياضيات والعلوم وتعلّم اللغة الثانية.
ومع أنّ الباحثين يدركون أهمية الازدواجية اللغوية في اللغة العربية على مستوى مؤسسات الطفولة المبكرة والمدارس والجامعات، فإنّ هذا الوعي الموجود لدى المجتمع البحثي لا تجده دائمًا لدى المعلمين وأولياء الأمور وصانعي السياسات وغيرهم من المشاركين في إدارة واقع الحياة التعليمية اليومية للطلبة العرب.
إن البحث الذي نجريه بدعمٍ من مؤسسة الملكة رانيا من شأنه نشر التوعية بأهمية هذه القضية وتقديم الإجابات الوافية للأسئلة التطبيقية الراهنة التي تواجه صانعي السياسات والممارسين على حدٍ سواء.
وفق ما تناهى إلى مسامعنا، سنكون أول من يُطبّق منهجية المراجعة المنهجية على موضوع الازدواجية اللغوية في اللغة العربية، ممّا سيساعدنا على فهم خارطة المعرفة والفجوات الرئيسية الحالية، ونقصد بالفجوات المجالات التي تحتاج إلى مزيدٍ من البحوث.
إن هذا موضوع –أي الازدواجية- يجدر أن ينتبه إليه كل من يهتم بالمستقبل التعليمي في الوطن العربي. ولهذا السبب فإنّنا لن نتأخر في مشاركة ما نتوصّل إليه من نتائج ورؤى في المراحل الرئيسية من هذا المشروع. ونأمل أن تكون هذه المدوّنة فاتحة خيرٍ لمزيدٍ من المخرجات البحثية المفيدة.