يواجه نصف الأطفال في سن العاشرة في الأردن تحديًّا في قراءة نص بسيط وفهمه، وقد أدرج البنك الدولي واليونسكو هذا تحت مسمى "فقر التعلّم" (تقرير البنك الدولي، 2019). وإذا كانت هذه النسبة قد قاربت النصف قبل جائحة كوفيد-19، فإنه من المقدّر أنّها ارتفعت بنسبة 10% بعدها، ما سيقف عائقًا أمام نجاح الأطفال في المستقبل على مختلف الأصعدة.
وقد كرّست مؤسسة الملكة رانيا جهودها للقضاء على فقر التعلّم وتحسين مهارات القراءة والكتابة في الأردن والمنطقة العربية، وذلك من خلال تطوير أساليب التدريس القائمة على الأبحاث ونشرها وتكييفها. ولذا أبرمت شراكةً مع مؤسسة (Education Endowment Foundation EEF) - ومقرّها المملكة المتحدة - لترجمة وتكييف وتطوير مجموعة من النهج التعليمية التي تُعرف بـ "أدوات التعليم والتعلّم".
خضعت أدوات التعليم والتعلّم التي نشرتها المؤسسة عام 2021 لتحديث مهم عام 2023، وذلك بدمج بعض الأدوات المتشابهة لتعزيز الترابط بينها، كما حدث في أداة "الواجبات المنزلية"، أو حذف بعض الأدوات. ومن أجل دعم تطبيق هذه الأدوات عمليًا، فقد أعدّت المؤسسة دليل المدارس لإشراك أولياء الأمور في دعم تعلُّم القراءة والكتابة (2020)، بحيث يساعد المدارس على إدماج أولياء الأمور في العملية التعليمية لأبنائهم، وتزويدهم بالمصادر والأدوات اللازمة التي تمكنهم من دعم تعلّم أبنائهم في المنزل، والانخراط بشكل أكبر في مسيرتهم التعليمية بغض النظر عن مؤهلاتهم العلمية أو خلفياتهم الثقافية، ما شكّل موردًا مساندًا لا سيما في ظل جائحة كوفيد-19 والتحول إلى التعليم عن بعد. كما تعمل حاليًا على إعداد دليلين عمليين جديدين حول التغذية الراجعة واستراتيجيات الاستيعاب القرائيّ، وتخطّط بعد ذلك لإعداد دليل حول ما وراء المعرفة والتنظيم الذاتي، وهي جميعها أدوات عالية الأثر منخفضة التكلفة ذات أهميّة كبيرة في عمليات التعليم والتعلّم.
يدعم تطوير دليل عملي حول استراتيجيات الاستيعاب القرائيّ جهود المؤسسة التي تركّز على تعليم القراءة والكتابة. وينطوي الاستيعاب القرائي على القدرة على فهم النص المكتوب، وهي عملية تفاعلية بين القارئ -بما في ذلك تجاربه وأفكاره ومهاراته- والنص المكتوب، وتُشجّع استراتيجيات الاستيعاب القرائي الفعّالة هذا التفاعل، وبالتالي تحسّن قدرة المتعلّمين على فهم النص.
تُشير أبحاث أدوات التعليم والتعلّم إلى أنّ التنفيذ الفعّال لاستراتيجيات الاستيعاب القرائي له أثر عالٍ يتمثّل في إحراز تقدّم يعادل 6 أشهر إضافيّة، وأنه عند تطبيق هذه الاستراتيجيّات بالاقتران مع أساليب الصّوتيّات، فإنّها تشكّل عنصرًا أساسيًّا في تعليم القراءة المبكّر. تشمل هذه الاستراتيجيات عدّة أساليب مختلفة، مثل: تفعيل المعرفة السابقة، والتنبؤ بمعلومات حول النص، وتحديد الأفكار الرئيسة، واستنتاج المعنى من السياق، والتلخيص، واستخدام المُنظِّمات الدّلاليّة، وتحديد صعوبات الاستيعاب وتجاوزها. وفي الوقت ذاته، تُحسّن هذه الاستراتيجيات التعلّم المنظّم ذاتيًا نظرًا لأنّها تدعم تطوير الطلبة مهاراتهم المعرفية وما وراء المعرفية، وتعزّز حافزهم لاستكمال المهام؛ لأنّهم يتعلّمون تجاوز صعوبات القراءة.
كما تشير أبحاث أدوات التعليم والتعلّم إلى أنّ استراتيجيات الاستيعاب القرائي تُطبّق عبر آليّات مختلفة تركّز جميعها على تحسين فَهْم معنى النّصّ بشكل فعّال، وتشمل العناصر المشتركة ما يلي:
- التدريس المباشر للاستراتيجيات.
- طرح المعلّمين الأسئلة على الطّلبة لتطبيق الخطوات الأساسيّة.
- الحديث ما وراء المعرفيّ لنمذجة الاستراتيجيّات.
- استخدام استراتيجيّات طرح الأسئلة الذّاتيّة، وطرح الأسئلة على الأقران (مثل الأسئلة المتبادلة)، ورصد الطّلبة استيعابهم وتحديد الصّعوبات بأنفسهم.
وبالتالي، يجب تدريس استراتيجيات الاستيعاب القرائي بطريقة مباشرة ومتسقة وفي عدّة مواد وليس في صفوف اللغة فقط. إنّ تطوير القدرات اللغوية للطلبة يُحسّن من استيعابهم القرائي، لا سيما بالنسبة لأولئك الذين يواجهون صعوبات أخرى، مثل: تحليل الكلمات، أو فَهْم بنية اللّغة المستخدمة، أو فَهْم مفردات معيّنة. وقد تكون هذه الصّعوبات خاصّة بموضوع معيّن، ولذا فإنه من المهم أن يُحدّد المعلّم عند اختياره النصوص المستوى المناسب لصعوبة النّصّ؛ بُغيَةَ توفير السّياق المناسب لممارسة المهارات التي يدرسها الطلبة، وتعزيز الرّغبة في التّعامل مع النصّ، مع توفير التّحدّي اللّازم لتحسين مهارات الاستيعاب القرائيّ. ومن البديهي القول إنّ دعم المدارس من خلال التدريب وتوفير الموارد أمرٌ أساسي لضمان التنفيذ الناجح لهذه الاستراتيجيات.
ومن الملاحظ أن التدريب الواضح على استخدام استراتيجيات فهم القراءة ذو أثر بالغ الأهمية على الطلبة الأقل حظًا، إذ تُظهر أبحاث أدوات التعليم والتعلّم أنّ هؤلاء الطلبة قد يحصلون على منافع إضافية من التدريب المباشر على استراتيجيات الاستيعاب القرائي. ونظرًا لأنّ احتمال امتلاك هؤلاء الطلبة كتابًا خاصًا بهم والقراءة في المنزل مع أفراد العائلة أقل من غيرهم، فإنّهم قد لا يكتسبون المهارات اللازمة للقراءة وفهم النصوص الصعبة، وبالتالي يُمكن للتعليم المباشر لاستراتيجيات الاستيعاب القرائي إلى جانب الدعم المقدّم من المدارس، أن يعالج هذه الفجوة، وهذه مسألة تحظى باهتمام كبير لدى الجهود الرامية إلى تحقيق المساواة في التعليم.
بتوفير أدلة إشراك أولياء الأمور، والتغذية الراجعة، واستراتيجيات الاستيعاب القرائي، وما وراء المعرفة والتنظيم الذاتي، تواصل مؤسسة الملكة رانيا توفير الموارد القائمة على البحث التي من شأنها أن تساعد المعلمين وأولياء الأمور ومديري المدارس وصانعي السياسات على اتخاذ قرارات أكثر استنارة؛ لتعزيز التعليم والتعلّم والمساعدة على تطوير المتعلمين الناجحين والمتمكنين في الأردن والمنطقة.