نبذة عن المحاور الرئيسة للتوصية
بعد الانتهاء من إعداد الطلبة لرحلة تعلّم القراءة ينبغي للمعلمين البدء في اختيار نصوص قرائية مناسبة لطلبتهم، بحيث تراعي مجموعة من الأمور عند اختيارها كطول النص وموضوعه ومستوى الطلبة واهتماماتهم وغيرها.
وبالعودة إلى الإطار العام لتدريس مهارتي القراءة والكتابة، نجد أن النص المناسب لتطوير فهم الطلبة هو:
نص مناسب لمستوى الطلبة.
نص يدعم الغرض التعليمي في الغرفة الصفية .
نص مناسب لميول الطلبة واهتماماتهم.
نص فيه تحدٍّ مناسب للطلبة على مستوى المفردات أو التراكيب أو شكل النص…
سيناريو تأمّلي
عمر حسّان معلم اللغة العربية للصف الخامس الابتدائي في عمّان- الأردن، يرغب في تحسين مهارات طلبته القرائية خاصة فيما يتعلق بقدرتهم على الفهم والاستيعاب، وبالتأكيد يستخدم النصوص المتوفرة في المنهاج المدرسي لذلك، ولكنه يحب أن يرفد طلبته بنصوص خارجية أخرى؛ لأنه يؤمن بأن الكم يرفع النوع. يقضي عمر ساعات طويلة في المكتبة يبحث في الكتب عن نص يمكّنه من تدريس الطلبة مهارات الاستيعاب القرائي جميعها، وفي الوقت نفسه يناسب مستوى طلبته ويراعي الفروقات الفردية بينهم، كما يودّ أن يكون النص ممتعًا ويحبّه الطلبة، ولكنه حتى الآن لم يجد النص المناسب.
بعد قراءة السيناريو السابق يجب أن نفكر في إجابة السؤال الآتي:
هل يوجد نص واحد مناسب لتعليم مهارات الاستيعاب القرائي جميعها؟
مع الأسف لا يوجد نص واحد يناسب تعليم مهارات الاستيعاب القرائي جميعها، ولن يوجد مهما تكلّف المعلمون عناء كتابة هذا النص وتأليفه، إذ سيبقى نصًّا مصنوعًا لا يشبه النصوص الأخرى الموجودة في الكتب؛ ولهذا يجدر بالمعلمين أن يحدّدوا الهدف الذي يريدون للطلبة تحقيقه من خلال قراءة النص، ومعرفة المهارة التي يرغبون في تحسينها في أثناء قراءته، ثم يبحثوا عن النص المناسب لذلك. كما يجب عليهم تقديم نصوص قرائية متنوعة ومن مصادر متعددة تختلف باختلاف مستويات الطلبة وقدراتهم القرائية، وفيها تحدٍّ مناسب لهم.
معايير اختيار نصوص القراءة
في معظم الأحيان يلتزم المعلمون بتدريس نصوص القراءة الموجودة في الكتاب المدرسي التي وُضِعَت من قبل متخصصين وخبراء في التعليم، ومع أنهم يأخذون بعين الاعتبار عوامل عدة عند اختيار النصوص القرائية مثل تنوّع موضوعاتها ومستوى الطلبة ونتاجات التعلّم، إلا أنها تبقى محدودة في قدرتها على معالجة الظروف والسياقات المختلفة التي يعيشها الطلبة.
يسعى المتخصّصون والخبراء في التعليم إلى اختيار نصوص تناسب السياق العام للطلبة وتستند إلى معايير موحدة، إلا أنها قد تغفل عن معالجة بعض الحالات الفردية التي قد تختلف من صف إلى آخر، أو من مدرسة إلى أخرى، بل على مستوى المحافظات المختلفة. هذا التوحيد في النصوص قد يؤدي إلى تجاهل الفروقات الثقافية والاجتماعية التي قد تؤثر على فهم الطلبة للنصوص وتعاملهم معها؛ لهذا السبب يجدر بالمعلمين إثراء غرفهم الصفية باختيار نصوص إضافية تتناسب مع احتياجات طلبتهم الخاصة واهتماماتهم وواقع معيشتهم، ما يزيد دافعيتهم نحو القراءة وفهم النصوص واستيعابها.
ينبغي للمعلمين إتاحة الوصول إلى نصوص عالية الجودة تلبي احتياجات الطلبة واهتماماتهم لمساعدتهم على أن يصبحوا قرّاء ماهرين، وهذا يعني أنّ على المعلمين اختيار النصوص بعناية لضمان تدريس القراءة بشكل فعّال، إذ يجدر بهم التفكير في قابلية النص للقراءة، وتعني القابلية مدى سهولة قراءة النص وفهمه أو صعوبة ذلك، وتحديد الهدف من دراسة هذا النص سواء أكان عرضًا لنمط معين من النصوص كالمقالة أو القصة أو الشعر، أو إثراء الطلبة بمعلومات ومعارف جديدة، أو تقديم مفردات جديدة لهم؛ فتحديد الهدف يسهّل على المعلمين اختيار النص المناسب، بالإضافة إلى التفكير في مدى مناسبة النص لاهتمامات الطلبة وميولهم، أو مدى ارتباطه بحياتهم اليومية أو تجاربهم السابقة.
في أثناء اختيار النص المناسب يمكن للمعلمين استحضار مجموعة من الأسئلة التي تساعدهم على اختيار النص بدقة أعلى. من بين هذه الأسئلة: هل سيقرأ الطلبة النص بشكل مستقل أم لا؟ وإذا كانت الإجابة نعم فهل يتضمن النص كلمات يمكنهم فهمها أو تخمين معانيها وحدهم؟ هنا يمكن التفكير فيما إذا كان الطلبة قادرين على فهم ما لا يقل عن 95٪ من الكلمات الموجودة في الصفحة، وإذا واجهوا كلمات غير مألوفة أو غير معروفة، فما الطرق التي يمكن استخدامها لمساعدتهم على تمييز معاني هذه الكلمات؟
كما قد يتساءل المعلمون عن مدى توفّر المعرفة الأساسية اللازمة لدى طلبتهم؛ مثل المعرفة بالسياق أو بنوع النص وشكله، التي قد تكون ضرورية لفهم النص بشكل كامل. وإذا كانت هذه المعرفة غير مكتملة فما الدعم الذي يجب أن يقدمه المعلمون لبناء هذه المعرفة بحيث يصبح النص أكثر قابلية للفهم؟
كما قد يخطر على بال المعلمين ما إذا كان يمكن للطلبة إدراك جوانب التعقيد التي يتضمنها النص، مثل: التلاعب الزمني أو الآراء المغلوطة أو استخدام الكاتب لكلمات مهجورة وغير ذلك، وإمكانية تجاوز الطلبة للمعوقات التي تحول دون فهمهم الكامل للنص.
من المهم أن لا يغفل المعلمون عن ضرورة تقديم نصوص قرائية مناسبة لميول الطلبة واهتماماتهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الطلبة قد يهتمون بموضوع ما ويندفعون لقراءة نص يتحدث عنه لكنه يتناوله بطريقة أعلى بكثير من مستواهم وقدراتهم القرائية.
يمكنكم الاطلاع على الأداة: اختيار النص المناسب والاستفادة منها في حال رغبتم في البحث عن نصوص قرائية مناسبة لطلبتكم وتلبي احتياجاتهم.
في نهاية المطاف يظل الهدف من اختيار النصوص هو الأساس الذي ينبغي أن يستند إليه المعلمون؛ فالنص المناسب هو النص القادر على خدمة الغرض التعليمي المحدد حتى لو لم تتوفر فيه كل المعايير السابقة. من المهم ألا يلجأ المعلمون إلى البحث عن نص يتوافق مع المعايير كلّها؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى اختيار نص مصطنع يفقد أصالته وطبيعته، بدلًا من ذلك يتعين عليهم أن يقدموا نصوصًا أصيلة، ولا بأس من إجراء بعض التغييرات فيها؛ لتناسب أهداف التعلم ويضمن المعلمون أن تساهم قراءة النص المختار في تطوير مهارات طلبتهم وتعميق فهمهم.
تحديات اختيار نصوص القراءة
يتطلّب اختيار نصوص القراءة المناسبة للطلبة مراعاة مجموعة من العوامل لتحقيق التطوّر المطلوب في مهارات الفهم والاستيعاب، ما يضع المعلمين أمام تحديات كبيرة أبرزها تحديد مستوى النص؛ إذ قد يؤدي اختيار نص صعب للطلبة إلى إحباطهم وفقدانهم الدافعية نحو القراءة، أما اختيار نص سهل فقد يكون غير محفّز لهم ولا يكفي لتطوير مهاراتهم القرائية.
إضافة إلى تحديد مستوى النص، ينبغي للمعلمين التعامل مع تفاوت مستويات القراءة بين الطلبة داخل الغرفة الصفية الواحدة، فقد يجد بعض الطلبة النص سهلًا وممتعًا، وقد يواجه طلبة آخرون صعوبة كبيرة في فهم النص نفسه. وللأسف، لا توجد طريقة أكيدة للتنبؤ بكيفية استجابة الطلبة للنصوص، ما يجعل اختيار نص للقراءة أمرًا في غاية الصعوبة، وحينذاك يؤدي المعلم دورًا حاسمًا في كيفية تقديم النص بطرائق متنوعة تلائم قدرات الطلبة المتنوعة، كتقديم الدعم الفردي أو توفير بعض الأنشطة المساندة للنص.
يعتمد مستوى النص بشكل أساسي على قدرة الطالب على القراءة، وعلى النصوص التي تعرّض إليها سابقًا، ومدى اتساع مخزون مفرداته وعمقها؛ لهذا يستحيل أن تجد اتفاقًا على "مستوى" محدد لكل نص، وربما تجد بعض النصوص مخصصة لمستويات مختلفة وفق المعايير التي تستند إليها.
يتطلب التفاوت في مستويات الطلبة في القراءة من المعلمين أن يكونوا مرنين في اختيار النص، وربما يحتاجون إلى تخصيص مواد مختلفة لطلبة مختلفين أو توفير استراتيجيات دعم إضافية لضمان أن يتمكن جميع الطلبة من الاستفادة من النصوص المقروءة كما ذكرنا سابقًا.
تحدٍّ آخر يواجه المعلمين ألا وهو قلة الموارد التعليمية المتاحة، ومع أن ثمة مجموعة من المبادرات التي انطلقت بغية توفير مصادر تعليمية متنوعة للأطفال باللغة العربية إلا أنها ما زالت غير منتشرة بكثرة أو يترتب على الحصول عليها التزامات وأعباء مادية، ما يعني أن فرص المعلمين في اختيار نصوص تلائم مستويات الطلبة المختلفة محدودة، وأن خيارات النصوص القرائية التي يتعرّض لها الطلبة قليلة وغير كافية لتطوير مهاراتهم، وهذا ينعكس سلبًا على جودة التعليم المقدّم.
يمكن للمعلمين اللجوء إلى حلول تساعدهم في الوصول إلى عدد أكبر من الموارد التعليمية مثل التعاون مع زملائهم في مدارس أخرى، أو استخدام الموارد الرقمية المتاحة عبر الإنترنت، أو زيارة المكتبات العامة للحصول على نصوص تعليمية متنوعة. عند تضافر جهود المعلمين يمكن تحسين جودة التعليم وضمان تلبية احتياجات الطلبة المختلفة.
في كل غرفة صفية ستجد اختلافًا في اهتمامات الطلبة، فقد يفضّل بعضهم النصوص العلمية أو الخيالية، ويفضّل بعضهم الآخر نصوصًا تاريخية أو أدبية، قد تجد بعضهم يفضّلون قراءة الشعر على القصة، أو قراءة النص المعرفي على الأدبي، ما يستوجب من المعلمين أن يختاروا نصوصًا متنوعة لتناسب هذه المتطلبات، وتحفّز الطلبة على القراءة والتفاعل الإيجابي مع النص، كما يجدر بهم أن يربطوا النصوص ببعضها، ويشيروا إلى نصوص تناولت موضوعًا مشابهًا أو فكرة قريبة درسوها سابقًا، هذا الربط يعزّز اهتمام الطلبة بالقراءة والاستيعاب.
يمكنكم الاطلاع على أداة ربط النص.