تحقيق التنافسية والازدهار والرفاهية لدولة ذات موارد طبيعية قليلة كالأردن، يعتمد على موارد بشرية كفؤة تتمتع بالقدرة على الابتكار والديناميكية والمهارة. ورغم ذلك، يواجه نظام التعليم الوطني في الأردن تحديات ضخمة مثل محدودية الموارد واكتظاظ الصفوف الدراسية ومحدودية فرص التدريب والتأهيل المتاحة للمعلمين/ات.
تشير الاتجاهات العالمية في التعليم إلى أن تأثير المعلمين/ات المؤهلين/ات على أداء الطلبة هو أكبر من أي تأثير محتمل لأي عامل تعليمي آخر. كما وتشير الأمثلة العالمية عن تأهيل المعلمين إلى أنه بدون التأهيل وبدون منح تراخيص مزاولة المهنة للمعلمين/ات قبل الخدمة، لا يمكن تحقيق أي إصلاح حقيقي مؤثر على أرض الواقع. في الأردن، وبينما هناك جهود لتدريب معلمي المدارس الحكومية أثناء الخدمة، إلا أن هذه الجهود، في جوهرها، تحاول التعويض عن عدم توفر التأهيل السابق للخدمة بدلاً من التركيز على التأهيل الوظيفي للمعلمين/ات. وتواجه هذه الجهود أيضاً حقيقة أنه لا توجد فرص كافية متاحة لجميع المعلمين للحصول على تدريب عملي بجودة عالية. وبالتالي، فإن النتائج قد تجعل المعلم/ة، الذي هو/ي العامل الأهم في تطوير نظام التعليم، غير مواكب للعصر.
وعلى الرغم من اﻟﻣﺑﺎدرات اﻟﻌدﯾدة ﻟﺗﺣﺳﯾن اﻟﺗﻌﻟﯾم ﻓﻲ اﻷردن، ﻓﺈن ﻧﺗﺎﺋﺞ ﺗﻌﻟم اﻟطلبة متعثرة وﻣﮭﺎرات اﻟﺧرﯾﺟﯾن ﻻ ﺗﻟﺑﻲ اﺣﺗﯾﺎﺟﺎت سوق العمل. في كل عام، لا ينجح أكثر من نصف طلبة المدارس في امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) ويتركون المدرسة بدون أن تتوفر لهم مسارات بديلة واضحة وبدون أي دعم. هناك فائض في العرض من خريجي الجامعات وقلة مزمنة في العرض من الحرفيين والفنيين المهرة. ونتيجة لذلك، بلغت نسبة البطالة بين الشباب 31.8٪ ووصل مجموع نسبة مشاركتهم في القوى العاملة 41٪ فقط، وهي من أدنى المعدلات في العالم. [1]
علاوة على ذلك، فإن الأردن والشرق الأوسط يمران في مرحلة حرجة. فاليوم، تعد المنطقة أكثر تأثراً بأزمة الهجرة القسرية في العالم، حيث بلغ عدد اللاجئين والنازحين حوالي 15 مليون شخص وهناك أكثر من 13 مليون طفل/ة في المنطقة لا يتلقون تعليماً نتيجة للصراعات – أي 40 ٪ من الأطفال الذين يبلغون سن الدراسة.[2]
لا يعمل نظام التقدم الوظيفي الحالي على إيصال أفضل المعلمين/ات أو أكثرهم قدرة إلى مناصب قيادية؛ وبدلاً من ذلك، فإنه يكافئ أولئك الذين أمضوا مدة أطول في النظام. وقد سبق لوزارة التعليم أن اشتركت مع اليونسكو والخبراء الاستشاريين في تطوير إطار التأهيل المهني المستمر والمسار الوظيفي للمعلم والذي يعتقد أنه يحدد متطلبات كفاءات المعلمين/ات ومنحهم الشهادات. هذا الإطار لم يعتمد بعد من قبل وزارة التربية والتعليم ولكنه يسير في هذا الاتجاه. وقد أكملت وزارة التربية والتعليم للتو المعايير المهنية الشاملة للمعلمين مع الشركاء، وهي الآن في صدد تطوير معايير جامعة خاصة بمعلمي/ات المواد المختلفة، والكفاءات، ومؤشرات الأداء الرئيسية ومن المتوقع أن تكون هذه المعايير جاهزة بحلول نهاية عام 2018.
مع الاعتراف بالأهمية والقيمة التي يمكن للمعلمين/ات أن يضيفونها إلى التعليم؛ يحتاج الأردن إلى مواجهة التحدي المتمثل في تأهيل المعلمين/ات ومنحهم تراخيص مزاولة مهنة كأولوية رئيسية قبل انضمامهم إلى المهنة (قبل الخدمة) فضلاً عن ضرورة تحسين مهارات المعلمين/ات الحاليين من خلال التدريب الإضافي وبرامج التأهيل المهني المستمر الفعالة ونظم إصدار الشهادات و/أو تراخيص مزاولة المهنة "أثناء الخدمة". وتشير توقعات وزارة التعليم إلى حاجتها إلى 3000 إلى 4000 معلم/ة مؤهل/ة جدد سنوياً.
بالنسبة إلى تأهيل المعلمين/ات أثناء الخدمة، تشير أرقام وزارة التربية إلى وجود ما بين 80 ألف و90 ألف معلمة/ة حالياً في التعليم الحكومي موزعين بين الصفوف التعليمية الأولى والأساسية والثانوية، وما بين 30 ألف و 40 ألف معلم/ة في المدارس الخاصة[3]. ولا يوجد مستوى متسق من التدريب للمعلمين سواء في القطاع العام أو الخاص. فيما تشير الإحصاءات إلى أن 43٪ فقط من معلمي/ات المدارس العامة و29٪ من معلمي/ت المدارس الخاصة قد تلقوا تدريبات خدمة رسمية خلال العامين الماضيين مقارنة [4]مع 91٪ من المعلمين/ات في المرحلة الثانوية في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.
مستقبل جيل كامل من الأطفال مجهول ومفتاح معالجة هذه التحديات يكمن في دور المعلمين/ات والمدراء/المديرات. فإذا افتقروا المهارات والتدريب، فلن يكون باستطاعة أي قدر من المنح لبناء المدارس أو تشغيل البرامج أن يجعل النظام مستداماً على المدى الطويل. يجب أن نبني القدرات على مستوى القيادة المؤسسية. فعلى هذا المستوى، يمكننا تحقيق التأثير حيث يمكن أن يكون للمدراء/المديرات تأثير مباشر على جودة التعليم والتعلم في المدارس التي يقودونها، وهذا يحتاج إلى الدعم من خلال وجود اللوائح والأنظمة اللازمة في سياسات منح تراخيص مزاولة المهنة للمعلمين/ات إلى جانب وجود الإرادة السياسية لتحقيق ذلك.
ولمواجهة هذه التحديات، بدأ الاهتمام يتحول نحو جعل التعليم والتعلم أولوية للبلد. فالاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، أرست المكونات الرئيسية لتطوير التعليم وستضمن تزويد الأجيال الحالية والقادمة بالمهارات والقدرات التي تحتاجها للتفوق والنجاح.
تضع استراتيجية تنمية الموارد البشرية الوطنية أهدافاً إستراتيجية واضحة لتحقيق النتائج المطلوبة فيما يتعلق بالتأهيل المهني للمعلمين/ات والمدراء/المديرات. وعلى وجه التحديد، تدعو الإستراتيجية إلى: إنشاء برنامج تعليم أولي للمعلمين، وتطوير برامج شاملة لتدريب المعلمين أثناء الخدمة، وإدخال نظام خاص للشهادات وتراخيص مزاولة مهن التعليم ووضع نظام خاص للشهادات وتراخيص مزاولة المهن للمناصب القيادية المدرسية.
تعد أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين شريكاً رئيسياً لوزارة التربية والتعليم، حيث وفرت منذ إنشائها في عام 2009 فرص تعلم مهني قيمة للمعلمين أثناء الخدمة واستطاعت أن تصل إلى أكثر من 60 ألف معلم/ة من خلال برامجها المختلفة.
وقد تم تنفيذ أحد برامج التدريب أثناء الخدمة مع وزارة التربية والتعليم، وهو برنامج "شبكات المدارس" الذي تم إنشاؤه بالشراكة مع كلية المعلمين - جامعة كولومبيا من أجل تحسين التعليم في مواد الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية ، وشبكات الأكاديمية الرائدة للغة العربية والبيئة. وبدأت الأكاديمية بتنفيذ هذا البرنامج منذ عام 2009 وكان أهم عامل في نجاحه الدعم الميداني المباشر لفريق الأكاديمية للمعلمين في بيئهم التعليمية، والذي هو في جوهره العمل مع المعلمين يداً بيد في مكان عملهم – الصف الدراسي - ومساعدتهم في ايجاد التحديات على أرض الواقع. وسيصل البرنامج قريباً إلى إجمالي تراكمي يبلغ حوالي 10 آلالاف معلم/معلمة في المدارس العامة بحلول عام 2019 من خلال دعم "وزارة الشؤون العالمية كندا" Global Affairs Canada (GAC) والشراكة معها.
تماشياً مع الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، أطلقت أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين أول دبلوم لتعليم المعلمين في عام 2016 لإعداد المعلمين المستقبليين للتعامل مع الصفوف الدراسية على أنها أكثر من مجرد مكان للتعليم واعتبارها كمكان لولادة الابتكار والقيادة والفضول الفكري والمشاركة المدنية بين الشباب الأردني. وهذه الدبلوم، التي أطلقتها جلالة الملكة رانيا العبدالله، قد خرجت ما يقرب من 200 من الطلبة المعلمين/المعلمات في عام 2017، وحوالي 500 في عام 2018، وسوف تتوسع لتلبي الطلب على المعلمين المعتمدين في المستقبل ليلتحقوا بنظام التعليم في القطاع العام وتلبية احتياجاته. تقدم الأكاديمية حالياً الدبلوم باللغة العربية والإنجليزية والرياضيات والعلوم ولمعلمي الصفوف الابتدائية، وقد استوعبت بالفعل 800 من الطلبة المعلمين/ات في العام الدراسي 2018/2019.
علاوة على ذلك، يتم تدعيم برامج أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين من خلال الشراكات الإستراتيجية مع المنظمات الدولية والإقليمية والمؤسسات الأكاديمية والجامعات التي تحظى بسمعة جيدة: الدبلوم المهني لإعداد وتأهيل المعلّمين - بالشراكة مع كلية لندن الجامعية - معهد التعليم، ودبلوم في القیادة المتقدمة للمدراء بالتعاون مع جامعة كونيتيكت .
سبب آخر مهم لتمكين المعلمين وتعليمهم هو القدرة على الاستجابة والتعامل مع الأزمة. أدت أزمة اللاجئين السوريين إلى قيام الأكاديمية بتطوير وتنفيذ برنامج الدعم النفسي الاجتماعي الذي يدرب المعلمين/ات على كيفية تقديم الدعم النفسي والاجتماعي واستخدام أساليب التدريس التعليمية التفاعلية، وتقنيات الإدارة الفعالة للصفوف الدراسية واستراتيجيات التقييم الأكاديمي والسلوكي لتعزيز مشاركة الطلبة وتشجيع البيئات التعليمية الآمنة والمدعمة والصحية والشاملة في المدارس. يعد برنامج "علم بثقة" Teach Like a Champion برنامجاً مهماً آخر، يعتمد على كتاب بعنوان Teach Like a Champion من تأليف دوغ ليموف Doug Lemov وهو أحد أكثر كتب نيويورك تايمز مبيعاً، ويوفر الأساس لتهيئة بيئة تعليمية قوية تساعد المعلمين/ات على تحسين تقنيات تعليمهم بصورة جوهرية.
مع التوسع في الدبلوم المهني لإعداد وتأهيل المعلّمين قبل الخدمة في الثلاث إلى الخمس سنوات القادمة لتلبية الطلب السنوي على المعلمين/ات المستقبليين، ولتحقيق أهداف إصلاح نظام التعليم والأهداف الوطنية لاستراتيجية تنمية الموارد البشرية، هناك احتياجات متزايدة للتركيز على الارتقاء بالمهارات ومنح الرخص للمعلمين/ات الموجودين حالياً في الخدمة.
تحتاج برامج التدريب والتأهيل ما قبل الخدمة وأثنائها إلى مزيد من الدعم عن طريق إصدار اللائحة التنفيذية لترخيص المعلمين/ات، وتخصيص الموارد المالية المطلوبة، والأهم من ذلك فإنها تحتاج إلى وجود ما يكفي من الإرادة السياسية والدعم على مختلف المستويات لتحقيق إمكاناتها خلال الخمس إلى العشرة سنوات القادمة، وعندها فقط يمكننا أن نرى التأثير الإيجابي على طلبتنا ونظامنا التعليمي.
مقال مدون بقلم هيف بنيان - الرئيس التنفيذي لأكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين
[1] الأستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية
[2] الأستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية
[3] التقرير السنوي لوزارة التربية و التعليم
[4] الأستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية