من المعروف أنّ دراسةً بحثية ًواحدةً لا يمكنها أن تحلّ مشكلةً معينةً لأنّها ستكون محدودةً بالعديد من العوامل مثل حجم العينة والمتغيّرات غير المنتظمة ونزاهة المعالجة. ومن هنا تأتي أهمية تجميع المعرفة المكتسبة من عددٍ من الدراسات البحثية لفهم ظاهرةٍ معيّنةٍ بشكل أفضل.
وتُعدّ مراجعة الأدبيات الطريقة الأقدم والأكثر شيوعًا لتلخيص نتائج مجموعة من الأدبيات، لكنّ هذه المراجعات السردية لا تستند إلى أسس علمية سليمة وليست كافيةً لاستخراج المعلومات من مجموعة كبيرة من الأدبيات، ناهيك عن كونها متحيّزةً وغير موضوعية، ما يجعلها غير جديرة بالثقة إطلاقًا. ولهذه الأسباب بدأت منهجيات المراجعة المنهجية في اكتساب المزيد من الاهتمام كبديلٍ أفضل لمراجعات الأدبيات السردية.
تتميّز المراجعات المنهجية بالتزامها بمجموعةٍ من الأساليب العلمية لتحقيق هدفٍ واضحٍ وصريحٍ يتمثّل في الحدّ من الأخطاء والتحيّزات المنهجية من خلال تحديد جميع الدراسات ذات الصلة (بمختلف تصاميمها) وتقييمها وتوليفها للإجابة عن سؤال معيّن.
بصورة عامة، تعتمد المراجعة المنهجية على سبع خطوات مهمة، وهي:
- صياغة السؤال البحثي الذي تهدف المراجعة إلى الإجابة عنه بوضوح.
- تحديد أنواع الدراسات التي ستشملها المراجعة للإجابة عن السؤال البحثي.
- إجراء بحث شامل في الأدبيات لتحديد الدراسات ذات الصلة.
- تصفية النتائج وتحديد ما يستوفي المعايير منها لإجراء المزيد من المراجعة المتعمّقة.
- تقييم الدراسات المشمولة تقييمًا نقديًا.
- توليف نتائج الدراسات.
- نشر نتائج المراجعة.
بعبارةٍ أخرى، تتجاوز المراجعة المنهجية نهْج مراجعة الأدبيات المعتاد لضمان شمولية الوثائق التي تتناول الموضوع ذاته، مع الحدّ قدر الإمكان من التحيّز واللاموضوعية. وتساعد المراجعة المنهجية في تأطير الأسئلة وتوجيه مراجعة الأدبيات. كما أنّها توضّح الصورة لتحديد التعميمات التي يمكن استخلاصها من الأدلة التجريبية والفجوات القائمة والمجالات البحثية المستقبلية الواعدة.
علاوةً على ما تقدّم، تمتدّ قيمة المراجعة المنهجية لتشمل تمكين الباحثين من تحديد أوجه الاتساق والتباين في الأدلة البحثية. ففي أدبيات تعلّم اللغة العربية على سبيل المثال: هل تتّفق نتائج البحوث المختلفة على تأثير الازدواجية اللغوية (أو الفجوة بين العربية الفصيحة واللهجة المحلية) على تعلّم اللغة العربية؟ إنّ تحديد أوجه الشبه والاختلاف بين الدراسات والمخطوطات المشمولة في المراجعة يمكن أن يساعدنا أيضًا على فهم كيفية توظيف المعرفة التي بين أيدينا للتأثير على السياسة والممارسة بفاعلية أكبر.
كما تُقدّم المراجعة المنهجية قيمةً أخرى وهي تحقيق فهم شامل للمسائل المحيطة بالموضوع البحثي -في هذه الحالة الازدواجية اللغوية في اللغة العربية- بما في ذلك آثارها وتطبيقاتها والعوامل الاجتماعية والسياسية والبيداغوجية التي تخفّف من تأثيرها. وبطبيعة الحال، فإنّ تجميع النتائج من دراسات متعددة يُقدّم استنتاجات أفضل وأقوى ممّا يمكن التوصّل إليه من دراسة واحدة.
ومع أنّ المراجعة المنهجية تتمتّع بالعديد من المزايا القوية لكنّها غير مستخدمة على نطاق واسع في البحوث التربوية في العالم العربي، ولهذا السبب تحديدًا نعتقد أنّ المراجعة المنهجية للازدواجية اللغوية في اللغة العربية التي نجريها بدعمٍ من مؤسسة الملكة رانيا تمثّل تقدّمًا منهجيًا في مجالٍ بحثي مهم.
وتجدر الإشارة إلى أنّنا سنستهدف في هذا العمل البحثي أعمالًا ووثائق من شتّى المجالات، بما في ذلك تعليم الطفولة المبكرة، والتعليم الأساسي والثانوي والعالي، وتعليم الناطقين باللغة العربية. وسيقوم فريق من الباحثين بتصنيف الوثائق لضمان توخّي الدقة والموضوعية. ثمّ سنعاين الأدبيات الرئيسية عن كثب بالنظر في أنواع الأدلة المرصودة وما إذا كانت ناتجةً عن دراسات نوعية أم كمية، وذلك لتوجيه المراجعة الفعلية التي ستحدّد الموضوعات البحثية الراهنة والتوجّهات البحثية المستقبلية.
ندرك أنّنا مشرفون على عملية طويلة ودقيقة لكنّنا نؤمن بأنّها تستحق الجهد والعناء – ففي نهاية المطاف فإنّ عدم استخدام أفضل المنهجيات المتاحة للنهوض بتعليم وتعلّم مهارات القراءة والكتابة باللغة العربية يُعدّ ظلمًا بحق الطلبة.